بقلم اية محمد

موقع أيام نيوز

 


أي ابتسامة قد تتسلل لشفتيك! 
شعرت بها راوية فاحتضنتها بذراعيها قائلة بحزن 
_لسه مش قادرة تتقبلي اللي حصل لماسة 
تدفقت الدموع من عينيها كالمطر المحتبس لتجيبها پقهر 
_ياريت اقدر يا راوية انا مش قادرة أستوعب اللي حصل معاها! 
ربتت بيدها على كتفيها وهي تخبرها بثقة 
_جوزها جنبها وعمره ما هيتخلى عنها أنا عندي ثقة كبيرة في ربنا أنها هترجع أحسن من الأول.. 

أغلقت عينيها وهي تردد بتمني 
_يارررب ياراوية يارب.. 
أخفت حزنها وهي تشير لها بابتسامة ترسمها بالكد 
_طيب يلا قومي عشان نفطر من زمان مفطرناش مع بعض.. 
أزاحت دمعاتها وهي تحمل باقي الأطباق
_بينا.. 
وبالفعل خرجن سويا لتنضم إليهم بالخارج تبدل حزن ريم لسعادة كبيرة حينما وجدت عمر يجلس بالخارج فجلست مقابله تتأمله بحنين تود لو أن يحتضنها بقوة حتى تحاول الخروج من تلك المشحنات المقبضة شعر بها فأشار بيديه وهو يهمس لها 
_أنتي كويسة 
إكتفت بإيماءة رأسها بأنها على ما يرام ثم انتبهوا جميعا لصوت نادين الذي إخترق القاعة كالصوت الرنان 
_أيه ده من غيري! 
غمس سليم الفطير بالعسل الأبيض وتناولها بتلذذ 
_عارفين أنك هتنزلي من نفسك لما تشمي ريحة الوكل.. 
جلست جوار راوية ثم شرعت بتناول طعامها لتردد بإعجاب 
_الله على الفطير البلدي من ايدك يا ريمة. 
ابتسمت وهي تخبرها باستحسان
_ألف هنا على قلبك يا نودي.. 
علقعمر هو الأخر 
_تسلم أيدك يام أحمد.. 
منحته بسمة رقيقة فقال سليم باستغراب 
_هو محدش من الولاد نزلوا من القاهرة الأجازة دي ولا أيه 
أجابته راوية 
_مفيش غير آسروأحمد البنات عندهم امتحانات.. 
تساءلت نادين بدهشة 
_طيب هما فين يفطروا معانا.. 
أجابها فهد بثبات 
_شيعتهم الأرض يبصوا على العمال يشوفوا لو كانوا محتاجين حاجة. 
رددت راوية بضيق 
_هما لحقوا يستريحوا يا فهد مش كفايا المصانع والمزارع اللي بيدروها! 
نظرة حادة حانت منه فقال بجفاء 
_مخلف عيل صغير هنخاف عليه ولا أيه.. 
رددت في توتر 
_لا مقصدش بس بقول على الاقل كان فطر معانا مهو طول الشهر بيبقى بالقاهرة مع الشباب وحتى في اليومين اللي بينزلوهم بتخليهم يشتغلوا بالارض!..
اسټنزفت كلماتها غضبه بأكمله فضړب بعصاه الارض بقوة 
_مفيش اهنه دلع ياراوية الولد لو مشالش الحمل عن اهله مبيقاش راجل.. 
امتلأت عينيها بالدموع لتعصبه المبالغ به فتدخل سليم بالحديث قائلا 
_محصلش حاجة يا فهد هي خاېفة على ولدها وده حقها بالنهاية هي أم.. 
هدأت تعابير وجهه قليلا فقال بهدوء 
_أنا هادي يا سليم بحاول بس أخليها تستوعب أنه في يوم من الايام ولدها هيبقى كبير الدهاشنة ولازمن أقرص عليه عشان عضمه يبقى ناشف ومحدش يقدر يقف قصاده.. 
حدجته بنظرة ساكنة ولكنها تحوى سهام متخفية تعرف طريقها لاختراق قلبه بحرافية نهضت راوية عن مقعدها ثم كادت بالابتعاد عن الطاولة فتوقفت قداميها حينما استمعت لأمره الصارم 
_كملي وكلك قبل ما تقومي. 
عادت لتجلس على مقعدها من جديد وهي توزع نظراتها بينه وبين طبقها بغيظ.. 
مساحة شاسعة يملأها الرجال العاملين من كل صوب وإتجاه بعضهما يحملون المحاصيل الزراعية للشاحنة والاخرون يكدون عملا بزرع المحاصيل الجميع يعلم بأن تلك المنطقة تخص عائلة فزاع الدهشان فباتت تخص أحفاده وبالأخص كبيرهم فهد الدهشان ومن بين هؤلاء العمال كان ينحني بقامته الطويلة ليحرر السکين الملتوي حتى يتمكن من قطع الحشائش الخضراء ليجمعها فوق بعضها في تناغم وإنسيابية ومن ثم يكوم حزمة أخرى فوق بعضهما ليحملهما ثم يضعها على العربة التي يجرها الفرس الاصيل
ليشير بيديه التي تتصبب عرقا 
_خد الحمولة دي وإرجع أنت ياحسان.. 
ومن ثم إنحنى ليحمل حزمة أخرى فأسرع إليه حسان العامل قائلا 
_عنك أنت يا بشمهندس آسر أني اللي هحملهم.. 
ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه القاسېة ومن ثم أجابه بمحبة كبيرة 
_لا أنا اللي هحملهم اسمع أنت بس الكلام وأرجع المزرعة أهتم بالفرس.. 
سحب اللجام ليجلس على طرف العربة وهو يشير له بطاعة 
_اللي تؤمر بيه يا بشمهندس.. 
مرر آسرأصابعه على رأس الفرس الأبيض بحنان ثم رفع عينيه ليشير للأخر بالتحرك فأنصاع إليه اتجه آسر للشجرة القريبة منه فاستلى من فروعها قميصه الأبيض الذي تركه على أحد فروعها حتى لا يتسخ بأعمال الحقول الشاقة فلم يتسنى له الوقت ليبدل ملابسه فما أن وصل من القاهرة حتى أمره والده بالذهاب لمتابعة العمال فما كان منه الا أن خلع قميصه ليعاونهم اليد باليد رافضا مباشرة عمله المتوقع بمعاينة الحسابات فترك تلك المهامة لاحمد دس يديه بجيب بنطاله الأسود ليخرج منديله الورقي ثم ازاح العرق النابض على بشرته الخمرية ومن
ثم فتح عينيه البنية الداكنة ليتأمل إن كانت ملابسه مازالت متسخة بعد ثم مرر اصابعه بين خصلات شعره الفحمي ليمشطه جيدا ثم جلس على الأريكة الخشبية المتهالكة القريبة منه ليرفع هاتفه بانتظار رد الطرف الأخر فقال 
_أيوه يا بدر أنت لسه نايم ولا أيه 
طيب فوق كده وإسمعني شحنة الفاكهة في طريقها للمصانع لازم تكون موجود هناك أنت و يحيىفهمت 
طيب تمام بعد بكره هنكون عندكم أنا وأحمد بأمر الله.. 
وأغلق هاتفه ومن ثم وضعه بجيب بنطاله ليتجه بخطواته المتزنة تجاه المبنى القريب من الأراضي الزراعية ليجد أحمد منهمك بالعمل على عدد من الملفات ليتحرر لسانه الصامت ناطقا بتعصب واضح 
_الشغل ده ميرضيش ربنا أبدا.. كل ده غلط دي فلوس ناس يا ريس! 
أجابه المحاسب بتوتر 
_يا بشمهندس راجع حساباتك تاني جايز تكون غلطان.. 
نهض عن مقعده ليحدجه بنظرة قاټلة 
_أنت اللي هتعلمني شغلي ولا أيه 
والقى الاوراق بوجهه قائلا بحدة 
_راجع شغلك وشوف باقي المبلغ الناقص من الحسابات ده فين والا الكبير بنفسه اللي هيعرف.. 
وترك المكتب الصغير المتدلي بأحد أطراف المبنى المتوسط ثم خرج ليجد آسر من أمامه يضع يديه معا بجيوب بنطاله ويتطلع له بصمت قاټل ليبتره حينما قال 
_الانفعال مش طريقة لاستعادة الحقوق يا بشمهندس مينفعش تقول للحرامي في وشه أنت حرامي لا تلعب عليه وتخليه يرجعلك حقك وفوقه بوسة... 
زفر أحمد بانفعال 
_ده بني آدم بجح بيغلطني عشان يزوغ من المبلغ اللي عكشه في كرشه. 
تعالت ضحكات آسر الرجولية ليردد بعدم تصديق 
_هدي نفسك بس يا عريس ده أنت على وش جواز.. 
سكنت نظراته وهو يردد بفتور 
_عريس أيه بس ده أنا بقالي سنتين خاطب ومستنى أختك تخلص الجامعة بتاعتها وكل مرة الكبير بيطلعلي بحجة شكله مش عايز يتخلى عن بنته.. 
رد عليه بمزح 
_روجينا أكلة بعقله حلاوة وبعدين أنت مستعجل على الجواز كدا ليه مش قولت عايز تأسس المصنع ويبقى ليك مالك الخاص استغل الوقت ده لنفسك الجواز فقر يا ابني صدقني.. 
ضحك أحمد وهو يجيبه بمشاكسة 
_يعني أنت مش عايز تتجوز يا كبيرنا.. 
أعدل من ياقة قميصه وهو يجيبه بفخر 
_لا مبفكرش بالمواضيع المنحرفة دي... 
ثم جذبه بقوة كادت باسقاطه 
_يلا عشان نرجع.. 
تأوه أحمد پألم 
_بالراحة علينا احنا مش قدك يا كابتن.. 
أجابه ساخرا 
_طول ما أنت بتأكل وتنام وبتكنسل الجيم عمرك ما هتبقى قد أي حد.. 
تعالت ضحكاته فقال بصعوبة بالحديث 
_لا يا عم كفايا الشغل اللي طالع عينا فيه!. 
بسخرية قال 
_طيب يلا ياخويا.. 
مشى لجواره حتى مروا من أمام أحد الأراضي الزراعية التابعة لأحد العاملين المخلصين لأبيه سابقا فمن يسوقه الحظ للعمل بمزارع عائلة الدهشان قد يحظى بمال وفير يتمكن من بعدها شراء الأرض الخاصة به كحال هذا العامل المحبب لقلب آسر فأشار لأحمد قائلا 
_اسبقني أنت على العربية وأنا دقايق وهحصلك.. 
أومأ برأسه بهدوء ثم أكمل طريقه سيرا للسيارة التي تبعد عنه بمسافة ليست ببعيدة بينما إقترب آسر من كومة القش الملقاة أرضا حيث كان يجلس هذا الرجل المسن فألقى عليه التحية ثم قال ببسمة بشوشة 
_عامل أيه يا راجل يا طيب أنت ما صدقت تسبنا ولا أيه 
أجابه الاخير بابتسامة واسعة 
_أستاذ آسر كيفك يا ولدي.. والله وليك شوقة.. 
وحاول النهوض على قدميه الملفوفة بشاش أبيض مستندا على عكازه الصلد ساندهآسر سريعا ليردد پخوف 
_خليك مكانك.. 
ثم تساءل بحزن 
_الف سلامة عليك يا عم فضل مالك أيه اللي حصل 
وصف پألم ما حدث له 
_مفيش يا ولدي كنت بحمل الربة على العربية فتكعبلت ووجعت على رجلي ولما روحت المستوصف جبسوهالي.. 
عاونه على الجلوس مجددا ثم قال 
_الف سلامة عليك طيب جاي ليه الأرض وأنت تعبان أوي كده 
كاد بأن يجيبه ولكنه انتبه لصوت صخب يأتي من خلفه من أرض العمفضل بالتحديد فاستدار ليجد أحدا يحاول رفع أكوام القش الضخمة ليضعها على العربة القريبة منهم فأسرع تجاهه تلقائيا كان يرتدي جلبابا أسود اللون يلف حول وجهه شال أبيض اللون يخفي به رأسه ووجهه المغطى بأكمله لم يكن سوى عينيه الخضراء الساحرة بارزة من خلفه تعجب آسر مما يرتديه هذا الرجل الغامض ولكنه ظن بأنه يحتمي من أشعة الشمس القاټلة فانحنى ليجذب الحبال الغليظة من حول كومة القش الضخمة ليردد بثبات 
_هات الطرف التاني يا ريس.. 
انحنى الرجل ذو الجلباب ليناوله الطرف الأخر فتلامست أيديهم فشعر بنعومة ملامسها رفع آسر عينيه تجاه هذا المقنع باستغراب ثم نهض ليزيح قميصه الابيض عنه فاستدار الرجل سريعا ابتسم آسر وهو يخبره بمرح 
_لا مواخذة يا عمهم بس الحاجة مش هتدخلني البيت لو وسخت الابيض.. 
ومن ثم انحنى ليحمل كومة القش ببراعة تنساق مع جسده المصفح بالعضلات القاسېة ليضعها على متن العربة ثم عاد ليحمل الكومة الأخرى فوضعها لجوار الاخرى فاستدار ليشير له قائلا 
_لسه في حاجة تانية عايز تحملها على العربية! 
هز رأسه فتعجب آسر من صمته المبالغ به أتاه الرد
من خلفه حينما إقترب منهما فضل ليثني على ما فعله 
_الف شكر يا ولدي مننحرمش منيك. 
ربت على كتفيه بابتسامة صغيرة 
_على أيه يا عم فضل خد بالك انت بس
من نفسك ولو إحتاجت أي حاجة كلمني من غير ما تتردد.. 
ثم جذب قميصه ليشير للرجل الغامض 
_سلام يا ريس شكلك عندك دور برد صعب في الحنجرة أبقى عالجه يا عمفضل.. 
تعالت ضحكات العجوز ليجيبه بصعوبة 
_حاضر يا ولدي.. 
وصل للسيارة فهبط احمد مسرعا ليشير له پصدمة 
_أنت فاكر نفسك في إنجلترا ألبس بسرعة قبل ما ېقتلونا.. 
ارتدى آسر قميصه ثم تحرك تجاه الباب الايسر من السيارة ليردد بخبث 
_ما تنشف يا عم حد يقدر يبصلنا بس!.. 
تحرك أحمد بالسيارة ليسأله باهتمام 
_عامل أيه عم فضل 
أغلق عينيه ثم استرخى على المقعد ليضع القبعة على رأسه

فعاد أحمد ليسأله مجددا فقال بخفوت 
_رجله مکسورة وجايب ابنه يساعده وهو أصلا شكله مالوش لا في الطور ولا في الطحين.. 
رفع حاجبيه بتعجب 
_ابنه! .. عم فضل معندوش غير بنت وحيدة بتدرس بالقاهرة.. 
أزاح آسر القبعة عن وجهه ليردد باستغراب 
_أمال مين ده.. 
_معرفش جايز مأجر حد.. 
نفى آسر ذاك الإقتراح 
_لأ.. معتقدش حالته المادية متسمحش بكده.. 
قال أحمد 
_جايز حد من قرايبه لان زي ما قولتلك معندوش غير بنت واحدة بتدرس بالقاهرة بنفس
جامعة حور بنت عمك سليم.. 
عاد ليتمدد على المقعد من جديد ثم وضع القبعة لينعم ببعض الراحة.. 
بأرض العمفضل.. 
إحتدت نظارتها المتخفية من حول قناعها الخفي فما أن تأكدت من ابتعاده حتى رددت پغضب 
_ ماله ده كمان شايف نفسه على خلق الله.. 
أجابها العمفضل ببسمته البشوشة 
_مالكيش حق يا بتي.. ده البشمهندس آسر أطيب خلق الله.. 
قالت
 

 

تم نسخ الرابط