رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
المبالي بينما استمر ممدوح في كلامه وهو يتفرس بتدقيق معني في أدنى تغيير يطرأ على صديقه كأنما يتأكد من شيء بعينه جعل الشكوك تبزغ بداخله
مش حاجة مهمة تخاف منها.
هتف ضاربا بيده السطح الزجاجي للطاولة معترضا عليه
أنا اللي أقرر!
استغرب من تحيزه معقبا بتشكيك متزايد
ما إنت ياما نمت مع ستات كتير.
رد عليه في صوت أجش
جاء تعليقه باردا للغاية
ورقة سهل تتلغى في أي لحظة.
ازدادت تعابيره سوادا فأيقن أنه على وشك التأكد مما يشك فيه لهذا لم يطل في المماطلة وسأله مباشرة ليعرف نواياه ناحيتها
ولا إنت عاوزها تكمل حمل
راوغه في الرد وقال بتشديد وهو يشير له بإصبعه
بعدين هشوف بس دلوقتي أنا عاوزك تاخد بالك منها وتراقبها الفترة اللي أنا مسافر فيها اعرفي دماغها فيها إيه.
رايح فين
بعد زفرة سريعة جاوبه
فؤاد باشا باعتلي واضح كده إنه شم خبر بجوازي من تهاني.
قوله بتسلى شوية.
لم يبد مسترخيا في جلسته حين قال
أنا عارف هتصرف معاه إزاي!
عادت نظراته لتشرد قبل أن يهمهم بقلق غريب
بس اللي شاغل دماغي تهاني مش عاوزها تنزل الجنين.
تعجب أكثر لأحواله المتبدلة وأردف محاولا فهم ما يدور في رأسه
أنا مستغربك بصراحة لو كانت واحدة تانية مكانها كنت أجبرتها تجهض.
بالظبط أنا اللي أتحكم فيها مش العكس!
ما زال أمره يحيره وجملته الأخيرة مجرد ستار زائف لإخفاء ما لا يريد البوح به أوهمه أنه اقتنع بما أفصح عنه وردد في ترحيب
متقلقش أنا موجود وهسد مكانك.
تسليتها المتاحة كانت في تمضية نهارها بقضاء العالق من المشاوير وتبادل الأحاديث العابرة مع الجيران وصل بها المطاف بعد جولة لا بأس بها بالسوق إلى الجمعية الاستهلاكية فوقفت بالصف وانتظرت دورها بصبر طويل في البداية لم تعبأ أفكار بالثرثرة النسائية المحيطة بها إلى أن قامت اثنتان بالحديث عن أمر بعينه شعرت في قرارة نفسها أنه يخص ابنة شقيقتها أرهفت السمع لإحداهما وهي تسترسل بوقاحة
ردت عليها الأخرى في نبرة مستنكرة
يادي الحوسة.
انقبض قلب أفكار في توجس مرتاع وحاولت قدر المستطاع ألا تعلق بشيء بينما أضافت الأولى من جديد
في استحقار كأنما تتعمد إثارة البلبلة والمزيد من اللغط بنشر الأكاذيب غير الحقيقية
ولما الحكاية اتكشفت حاولوا يلموها.
الله يسترها على ولايانا.
أضافت المرأة الأولى مرة ثانية في شيء من الإهانة المتعمدة قاصدة بذلك أن تسمع أفكار ذلك الكلام اللئيم
ناس بجحة وعينها قادرة.
ردت عليها الأخرى تؤيدها
صرت أفكار على أسنانها في غيظ وتوعدتهما في سرها
آخ يا ولاد ال ... بكرة تندموا على كلامكم ال ... ده!!
حينما استعادت وعيها كانت تشعر وكأن عشرات المطارق تدق في رأسها تأوهت من الألم الذي ما زال مصاحبا لها أحست بإجهاد غريب ينتشر في كامل جسدها وكأنها قد بذلت مجهودا عجيبا فاق طاقتها بكثير. نهضت تهاني عن الفراش بعدما ألقت نظرة متأنية مصحوبة بالدهشة لمحتوياتها أدركت أنها لم تكن ماكثة بغرفتها وإنما بحجرة هذا الوضيع الذي يتلذذ بإيذائها معنويا ونفسيا. خرجت منها في الحال قاصدة الاتجاه إلى غرفتها لكن استوقفها وجود هذا الضيف الغريب الماكث بالردهة وكأنه صاحب مكان. استنكرت تواجده وسألته وهي تضبط بيديها شعرها المهوش وثيابها غير المهندمة
إنت بتعمل إيه هنا
ترك المجلة التي كان يطالعها جانبا ثم نهض واقفا ليلقي عليها التحية متمتما بودية واضحة
حمدلله على سلامتك يا دكتورة.
كانت غير راضية عن أريحيته المتجاوزة معها فتساءلت في تحفز متجاهلة مظهرها غير اللائق لاستقباله
فين مهاب
أجابها ببساطة وهو يدنو منها
سافر.
زوت ما بين حاجبيها مرددة باستغراب يشوبه الاستنكار
سافر
هز رأسه مؤكدا عليها ما سمعته منه سرعان ما انفعلت هاتفة في صوت أقرب للصړاخ
أه طبعا ما أنا وجودي زي عدمه هفرق معاه في إيه
في التو جاءت الممرضة من الداخل تطلب منها وهي تمد ذراعها ناحيتها
دكتورة تهاني من فضلك اهدي أنا التعليمات آ...
قاطعتها في عصبية
مش عايزة حد يقرب مني.
تدخل ممدوح قائلا في روية وقد أشار للممرضة ليصرفها
مافيش داعي للزعيق احنا عاوزين تكوني هادية عشان صحتك...
استجابت له الممرضة في طاعة وغادرت فأتم ممدوح جملته بترقب
وصحة اللي في بطنك.
تلقائيا وضعت يدها على أسفل معدتها تتحسسها بارتعاش ثم صړخت في نفور وقد أبعدت يدها في الحال
أنا مش عاوزة حاجة تربطني بيه هنزله.
بنفس أسلوبه السهل اللين تقدم ناحيتها أكثر ثم رفع كفه أمام وجهها قائلا بتفهم
اللي إنتي عاوزاه هيتعمل بس بالهدوء مش بالعصبية.
حدجته بهذه النظرة القاتمة قبل أن تسأله في نبرة تلومه
كنت عارف إنه كده
تنحنح مرددا بجدية شابت نبرته
أنا حاولت أحذرك.
تذكرت هذا اللقاء معه في القارب المستأجر فضړبت جبينها بيدها هاتفة في ندم
وأنا زي الغبية مشيت ورا الأوهام.
عندما استبد بها ڠضبها انعكس تأثيره السلبي عليها أحست بقليل من الدوار يصيبها فسارت نحو أقرب أريكة وارتمت عليها تجمعت الدموع في عينيها وهي تسترسل بلا توقف
افتكرت إنها فرصة العمر لما أتجوز واحد زيه عنده اسمه وشهرته وعيلة كبيرة كنت بضحك على نفسي وآ...
جلس مجاورا لها وقاطعها في تريث
تسمحيلي أخدك أخرجك برا شوية تغيري جو.
استغربت من اقتراحه المريب ورفضته في صوت مستهجن
مش عاوزة.
أوشك ممدوح أن يراهن نفسه بقدرته على ترجيح كفة الميزان
لصالحه وكسب ثقة تهاني دون عناء فقط إن أشعرها أنه الشخص الجدير بذلك عليه فقط أن يتعامل معها بالحيلة والدهاء. في وداعة محفورة على ملامحه مال عليها هامسا في خبث
صدقيني ده هيفيدك وفرصة تتكلمي وتطلعي اللي جواكي من غير ما حد يراقبك.
رمقته بنظرة مستريبة فألح عليها بتصميم
من فضلك.
كالأفعى المجلجلة راح يفح سمومه في أذنيه بقدر معقول كلما سنحت له الفرصة بذلك ليوغر صدره أكثر ضده
ويجعله ينقلب عليه فلا يتخذ صفه مثلما كان يفعل قبل وقت سابق وبالتالي يظفر هو بالمكانة التي حرم منها طوال سنوات تفانيه في العمل. تأهب سامي في وقفته وقال بعدما وضع سماعة الهاتف الأرضي في مكانها مخاطبا والده باحترام
السكرتارية بلغوني إن مهاب وصل الشركة يا باشا.
دعك السيد فؤاد صدره الذي كان يشعر فيه بوخزات متفرقة وهتف بعبوس
كويس عشان أحاسبه على اللي عمله.
ابتسم من ورائه في نشوة عارمة وظل يردد عليه وعيناه تعبران عن كراهية مختلطة بالشماتة
لازم يعرف يا باشا إن عيلة الجندي فوق أي حد.
لم ينظر الأخير إليه كان مهموما بالأخبار غير السارة التي صډمته عن ابنه الذي ظن أنه سيخلفه في كل شيء ضاعف سامي من وتيرة شحنه ورفع غليل دمائه مضيفا ببغض صريح
وإنه مش بالساهل هتسامحه ده مش بس أساء لاسم العيلة ده لحضرتك كمان.
مقاومة هذا الألم الحاد كان مستحيلا شعر السيد فؤاد وكأن هناك من يحز ضلوعه بسنون خناجره الحامية. تشنج في جلسته وتقلصت يده الموضوعة على صدره في نفس اللحظة التي ولج فيها مهاب إلى داخل مكتبه ليستطرد ملقيا التحية عليه بتفخيم
فؤاد باشا!
صاح به سامي مهاجما إياه بغيظ
وليك عين تتكلم ولا كأنك عملت حاجة!!
رغم الكدر الظاهر في وجهه إلا أنه لم يرفع من نبرته عندما أخبره بتحقير
كلامي مش معاك إنت.
انفلتت صړخة موجوعة من والدهما أتبعها ذلك النهجان العسير في صدره. اندفع مهاب تجاهه هاتفا في لوعة قلقة
بابا.
قال السيد فؤاد بصعوبة وهو يضغط بقبضته المتشنجة على صدره
قلبي.
سأله سامي في جزع عظيم
إيه اللي حصلك يا باشا
كان على وشك هزه لولا أن أمره مهاب بصرامة قبل أن يدفعه للخلف
ماتحركوش واطلب الإسعاف بسرعة!
نظر له في ضيق فلكزه بخشونة في صدره ليأمره بهذه النبرة غير الممازحة
إنت لسه واقف يالا أوام.
اضطر على مضض أن يخرج من المكتب مسرعا تلبية لأمره بينما بقي مهاب ملازما لأبيه وهو يحاول طمأنته في جدية
اهدى يا بابا أنا موجود جمبك متخافش أزمة وهتعدي.
بغير همة أو اهتمام جلست معه لا تنظر تجاهه وتطلعت بنظرات شاردة لأفق لا يراه أحد سواها سيطر عليها ذلك الإحساس المؤنب بأن مجازفتها كانت في غير محلها بأن من اختارته لم يستحقها وأنها جنت فقط نتائج اختيارها السيء. كان في رأسها حوار لا ينقطع ولا يشاركها فيه أي شخص. كانت تهاني بين الحين والآخر تنظر إليه بهذه النظرة الحزينة فحاول ممدوح جرها لتبادل الحديث معه وقال بلطافة
اللمون هنا ممتاز.
أبقت على جمودها فأضاف ضاحكا
منعش جربيه مش هتندمي.
كان حائرا في أمرها وسعى بشتى الطرق لجذب انتباهها فلم يكن أمامه سوى التطرق لسيرته المزعجة وبالفعل تيقظت حواسها عندما تكلم بجدية طفيفة
أنا عاوزك ما تشليش هم حاجة ومتقلقيش من مهاب هو بس متمسك بيكي عشانه متعود إن محدش بيقوله لأ.
ضيقت عينيها إلى حد ما فابتسم في داخله لأنه نجح في إثاره اهتمامها ارتشف القليل من مشروبه وتابع
اعملي اللي عاوزه وهتخلصي منه بسرعة.
تحول وجهها إلى ناحية أخرى بعيدة عنه وصوتها المهموم يردد في خفوت
يا ريت.
مجددا استثار حفيظتها عندما تكلم بنزق وبلا احتراز
بس تعرفي أنا المفروض أشكره إنه خلاكي تثقي فيا.
حدجته بهذه النظرة المعادية فقال ملطفا الأجواء لئلا يفسد فرصته السانحة معها
مش عاوزك تفهميني غلط أنا حابب أكون في منزله الصديق ليكي.
صاحت في حدية
أنا معنتش بثق في حد.
قال مؤكدا لها ونظرة خبيثة تتراءى في عينيه
وأنا غير مهاب وبكرة الأيام هتثبتلك ده.
نقلت إليها الصورة السائدة بين عموم الناس في المنطقة الشعبية
وما يتم تداوله على هيئة شائعات مغرضة غرضها فقط تشويه سمعة هذه المسكينة من لا شيء وكأن الجميع قد تكالبوا ضمنيا على طحن ما تبقى من مشاعرها المحطمة بالمزيد من الإساءات الوضيعة إليها. لطمت عقيلة على خدها وهمست في حسرة وتعابير وجهها تؤكد هلعها
طب هنتصرف إزاي
بنفس الصوت الخفيض ردت عليها وعيناها توحيان بشيء خطېر
هو حل واحد وبس مقدمناش غيره!
نظرت لها مستفهمة بعينيها فتابعت بصوت يكاد يكون مسموعا لكونها تعلم أن ذلك الأمر حساسا للغاية
دخلة بلدي.
وقتئذ انفلتت منها شهقة مستنكرة ورددت في رفض مستنكر
يادي الفضايح! إيه الكلام ده
أخبرتها بتصميم وكأنه لا يوجد حل سواه
هوى قلبها في قدميها وأحست بتلاحق أنفاسها اختطفت عقيلة نظرة سريعة نحو المطبخ لتتأكد من عدم سماع ابنتها لهذا الأمر المخجل بشدة ثم تساءلت في اضطراب شديد
وفردوس هتقبل بكده
بلا تعاطف قالت
ڠصب عنها لازما توافق!
بتحسر مټألم لطمت عقيلة هذه المرة على صدرها وهتفت في فزع
دي ممكن ترفض الجوازة أصلا وآ...
لم تدعها شقيقتها تكمل جملتها للنهاية حيث قاطعتها مشددة عليها
احنا مش هنجيبلها سيرة هنخليها
متابعة القراءة